البدانة وتأثيرهاعلى المهارات الفكرية لدى المراهقين


 البدانة بأنها زيادة النسيج الشحمي في الجسم، أما زيادة الوزن فليست تعريفاً دقيقاً للبدانة، فقد تكون زيادة الوزن مرتبطة بزيادة الكتلة العضلية، أو ضخامة الهيكل العظمي، أو احتباس السوائل في الجسم.

ومع ارتفاع معدَّلات البدانة بين الأطفال في الولايات المتَّحدة الأمريكية، فإنَّ مجموعةً من المخاطر الصحِّية المتعلِّقة بالبدانة، والتي تُشكِّل عوامل خطورة للإصابة اللاحقة بأمراض القلب، تأخذ بالظهور لديهم أكثر فأكثر. يُطلق على تلك المخاطر الصحِّية مجتمعةً اسم "المتلازمة الاستقلابية".



فقد استنتجت إحدى الدراسات الحديثة أنَّ التغيُّرات المرضية الناجمة عن البدانة قد تؤثِّر في أدمغة الأطفال، فضلاً عن تأثيرها في أجسادهم.

وجدت تلك الدراسة أنَّ المراهقين الذين يعانون من حالاتٍ صحِّيةٍ كبدانة البطن، واضطراب مستويات الكولستيرول والشحوم الثلاثية، وارتفاع ضغط الدم، كثيراً ما يظهرون بمستوىً أكثر تدنِّياً من أندادهم الأصحَّاء في اختبارات القدرات الذهنية.

كما بَيَّن معدُّو الدراسة أنَّ صور الرنين المغناطيسي لأدمغة الأطفال المصابين بالمتلازمة الاستقلابية أظهرت وجودَ تبدُّلاتٍ مثيرةٍ للقلق في بنيته.

يقول الدكتور أنطونيو كونفيت، أستاذ الطب والطب النفسي بجامعة لانجون الطبِّية في مدينة نيويورك، والمُعدُّ الرئيسي للدراسة: "ساد الاعتقاد حتَّى وقت قريب أنَّ العواقب السلبية للإصابة بالمتلازمة الاستقلابية تبدأ بالظهور على الأطفال لاحقاً بعد 20 سنة؛ إلاَّ أنَّ الدراسة الحالية أظهرت أنَّ تلك العوارض الصحية قد تكون ذات أثرٍ سلبيٍّ قريب المدى على أدمغة الأطفال".

قام الباحثون في هذه الدراسة بإشراك 110 مراهقين في الدراسة، كان نصف عددهم تقريباً يعاني من ثلاث على الأقل من الحالات الصحِّية الخمس المميِّزة للإصابة بالمتلازمة الاستقلابية، وهي: البدانة البطنية، انخفاض مستويات الكولستيرول المفيد إتش دي إل، ارتفاع الشحوم الثلاثية، ارتفاع ضغط الدم، أو مستويات من المقاومة للأنسولين تُنذر بالإصابة بالداء السكَّري.

أظهرت دراساتٌ سابقة وجودَ مثل هذه العلاقة لدى البالغين، إلاَّ أنَّ تقارير حديثة بينَّت أنَّ أثر المتلازمة الاستقلابية على القدرات الذهنية قد يتعدَّاهم إلى الأطفال.

يقول كونفيت: "لاحظنا انخفاضاً في أداء المصابين بالمتلازمة الاستقلابية بمعدَّل وسطي بلغ 10٪، وذلك في سلسلة من اختبارات الذكاء التي تقيس مهارات القراءة والرياضيات لديهم. وبالرغم من أنَّ مستوياتهم بدت ضمن الحدود الطبيعية، إلاَّ أنَّها كانت دون ما هو متوقَّع منهم كطلاَّب مدارس. إنَّني على يقين بأنَّه لا أحد من الآباء يرغب بأن يكون مستوى ابنه الدراسي أقلَّ بعشرة في المائة ممَّا ينبغي أن يكون عليه، حتَّى وإن لم يكن مستواه العام سيِّئاً".

كما يشير كونفيت أيضاً إلى أن ما نسبته 54 في المائة من المراهقين الأمريكيين يعانون إمَّا من الوزن الزائد أو من البدانة. وأن ما يقرب من 30 إلى 40 في المائة من المراهقين الذين يعانون من مشاكل في الوزن يعانون من المتلازمة الاستقلابية، ويعلِّق على ذلك بالقول إنَّ هذه الأرقام - وللأسف - كبيرة جداً.

قام العلماءُ في هذه الدراسة بالتركيز على 49 مراهقاً جرى تشخيصُ المتلازمة الاستقلابية لديهم، و 62 مراهقاً لا يعانون منها، وجرى التحقُّقُ من أنَّ أفراد كلا المجموعتين مُتَشابهون في العمر والصف الدراسي والجنس والعرق والخلفية الاجتماعية الاقتصادية.

جرى إخضاعُ جميع الأطفال المشاركين في الدراسة إلى 17 اختباراً مختلفاً. كان هدفُ تلك الاختبارات تحرِّي قدرات الانتباه والمرونة الذهنية والقراءة والكتابة والحساب، بالإضافة إلى قدرات ومواهب أخرى.

أظهرت نتائجُ تلك الاختبارات تدنِّياً في مستوى الأطفال المصابين بالمتلازمة الاستقلابية عن أقرانهم الذين لا يعانون منها. وقد أظهرت سبعةٌ من تلك الاختبارات فوارقَ اعتبرها فريقُ البحث ذات دلالة إحصائية.

بالإضافة إلى ما اعتبره المؤلِّفون "نتائجَ تدفعنا إلى قرع ناقوس الخطر" في الاختبارات، فقد أظهرت صورُ الرنين المغناطيسي أنَّ مجموعة المصابين بالمتلازمة الاستقلابية كان يعاني أفرادها من ضمور في منطقةٍ في أدمغتهم تُدعى الحُصَين، بلغت نسبتُه عشرة في المائة من حجومها الأصلية. كما وجد الباحثون أنَّ مثل ذلك الانكماش كان أكثرَ شيوعاً في المناطق الواصلة بين مختلف النواحي العصبية.

يقول كونفيت: "هذا يعني أنَّه وبرغم ضآلة الضمور في منطقة الحصين وعدم بلوغه الحدَّ الذي يمكن اعتباره غيرَ طبيعي، إلاَّ أنَّ الدراسةَ دلَّت على أنَّ لذلك انعكاساً سلبياً على أداء أدمغة الأطفال. وقد يفسِّر ذلك سببَ كون غالبية من يتركون التعليم هم من البدينين، لأنَّهم قد يشعرون بالإحباط من أنفسهم بسبب بطء تعلُّمهم، ولا يمكن بأيَّة حال الاستهانة بانخفاض مقداره 10 في المائة في القدرة على التعلُّم".

يقول كونفيت: "إذاً ما العمل؟ يجب علينا ألاَّ نكتفي بقياس ضغط الطفل عندما يزورنا في العيادة. بل يجب علينا أيضاً أن نجري فحوصات صحِّية أوسع، ونقيس مستوى قدراته الذهنية. ينبغي أن يدركَ جميعُ الآباء ضرورةَ إدخال تعديلات على نمط الحياة عندما يحين وقت ذلك، فقد يكون لذلك أهمِّية قصوى في الحفاظ على صحَّة أطفالهم، وتوفير البيئة المناسبة لهم كي يطلقوا طاقاتهم وإبداعاتهم.

وتوافق على ذلك الدكتورة لونا ساندون، الأستاذة المساعدة للتغذية السريرية في جامعة مركز تيكساس الطبِّي في مدينة دالاس، وتقول: "ما هذه الدراسةُ إلاَّ صرخة إضافية تُضاف إلى الأصوات المنادية بضرورة العمل على وقاية الأطفال من البدانة في المقام الأول".

وتضيف قائلةً: "يقع جزءٌ كبيرٌ من تلك المسؤولية على عاتق الآباء في البيوت. يجب علينا تشجيع الآباء على مساعدة أطفالهم في تبنِّي عادات غذائية ورياضية صحِّية، وذلك حتَّى يستطيعوا الحفاظَ على رشاقة أجسادهم. يجب أن نساعدَ الأطفالَ على إدراك مخاطر البدانة وأضرارها، والتي لا تتوقَّف عند النظرة الشخصية إلى الجسد وجماليته فقط، فالأطفالُ لا يدركون الأخطارَ القلبية التي تتربَّص بهم بعد عشرين أو ثلاثين سنة تالية، فنحن نتكلَّم عن اعتلال في القدرة المعرفية قد يؤثِّر في أدائهم في مدراسهم بصورة فورية. إنَّ هذه المشكلة تشكِّل تحدِّياً يجب علينا مواجهته بكل حزم".

ولكن، في حين أنَّ الدراسة وجدت ارتباطاً بين انخفاض الأداء الفكري والمتلازمة الاستقلابية، إلاَّ أنَّها لم تُثبت ذلك من خلال علاقةِ سببٍ ونتيجة.

 الفريق العلمي لموسوعة الملك عبدالله العربية للمحتوى الصحي

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Grants For Single Moms | تعريب وتطوير : باســـم .